يُعَدُّ الهيكل العظمي البشري إعجازًا هندسياً وعلمياً، فهو ليس فقط إطارًا يدعم أجسامنا، بل يلعب أيضًا دورًا حيويًا في العديد من العمليات الفسيولوجية، ومع ذلك، فإن هذا النظام المعقد عرضة لمجموعة واسعة من الاضطرابات، ولكل منها تحدياته وتجلياته الفريدة، لنتعرف سوياً اليوم إلى أبرز أمراض العظام النادرة عسى أن يفتح فهمنا لها آفاق الرعاية اللازمة لمرضاها، وتطوير علاجات أفضل.
أمراض العظام النادرة
تُصنف أمراض العظام النادرة على أنها تلك التي تصيب عدداً ضئيلاً من أفراد المجتمع. على الرغم من ندرتها، إلا أنها يمكن أن تُسبب أعراضاً شديدة وتُؤثر بشكل كبير في نوعية حياة المصابين، مما يحتم علينا تسليط الضوء عليها وإجراء المزيد من البحث حولها للوصول إلى أفضل سُبل لعلاجها والتعامل معها. نذكر لكم عدداً منها في سطورنا اليوم.
أقرأ أيضا: جراحه العظام
خلل التنسج الليفي للعظام
خلل التنسج الليفي (Fibromuscular dysplasia (FD، هو مرض نادر يصيب العظام، تنمو فيه أنسجة ليفية غير طبيعية بدلاً من العظام الطبيعية. يمكن أن يصيب أي منطقة في الجسم، لكنه غالباً ما يحدث في عظام الفخذ والساق والأضلاع والجمجمة وعظم العضد والحوض.
ينتج هذا الاضطراب الهيكلي النادر عن طفرات جينية جينية مُنشطة في جين GNAS، وتؤدي هذه الطفرات إلى ضعف قدرة الخلايا الجذعية المتوسطة على التحول إلى خلايا عظمية ناضجة، مما يؤدي إلى انتشار نسيج عظمي غير ناضج وغير منتظم ونسيج ليفي.
هذه الطفرة ليست موروثة، ويمكن أن تصيب أي شخص بغض النظر عن الجنس أو العرق.
تشمل أنواع خلل التنسج الليفي ما يلي:
- خلل التنسج الليفي الأحادي: يصيب عظمًا واحدًا فقط، وهو النوع الأكثر شيوعًا.
- خلل التنسج الليفي متعدد العظام: يؤثر في عظام متعددة في جميع أنحاء الجسم، وعادة ما يكون أكثر خطورة.
عندما تتأثر مواقع غير هيكلية، مثل الجلد والغدد التناسلية، يُعرف هذا الاضطراب بمتلازمة ماكيون أولبرايت (MAS).
خلل التنسج الليفي هو حالة مزمنة ومن النادر جدًا أن تتطور إلى سرطان.
لا يمكن الوقاية منه، ولكن مع العلاج المناسب، يمكن لمعظم الأشخاص الذين يعانون من خلل التنسج الليفي التحكم في أعراضهم ومنع المضاعفات، مثل الكسور.
ما أعراض التنسج الليفي؟
تتحدد درجة شدة الأعراض بناءً على توقيت وموقع الطفرة الجينية الأساسية خلال التطور، ولكنها عادة ما تظهر على شكل:
- آلام العظام.
- التشوهات العظمية.
- سهولة وتكرار الكسور.
- المشي المتمايل.
- الجنف.
يعاني بعض الأشخاص أيضًا من مشكلات هرمونية وحالة تسمى متلازمة ماكيون أولبرايت، والتي تسبب أعراضًا إضافية، مثل البلوغ المبكر وتغير لون الجلد.
واحدة من أبرز مميزات هذه الحالة هي تفضيلها لمنطقة الوجه والفكين، خاصة قاعدة الجمجمة والفك العلوي والفك السفلي. يمكن أن يؤدي التوسع هذه العظام إلى:
- التشوهات في الوجه.
- سوء إطباق الأسنان.
- اضطرابات الأسنان، بما في ذلك نقص تصنع المينا، ونقص تمعدن الأسنان، وخلل نسيج العاج، وزيادة تعرضها للتسوس.
- مظهر زجاجي مميز في الفحوصات الشعاعية للفك يتطور إلى نمط مختلط من التظليل الشفاف والمعتم.
قد يهمك معرفة: أعراض سرطان العظام
متلازمة لوبشتاين
يُطلق على هذه المتلازمة أيضاً العظم الزجاجي أو تكوّن العظم الناقص (Osteogenesis imperfecta) وهي مجموعة من الاضطرابات الوراثية تتميز بضعف العظام بدرجات متفاوتة، فتجعلها ضعيفة وهشة، مما يجعلها أكثر عرضة للكسر بسهولة، حتى مع صدمات خفيفة أو بدون سبب واضح.
تُعزى معظم الحالات إلى طفرات في الجينات التي تُشفر الكولاجين النوع الأول (COL1A1 وCOL1A2)، تؤدي هذه العيوب الجينية إلى إنتاج كولاجين غير طبيعي أو غير كافٍ، وهو مكون أساسي للعظام.
تتنوع الأعراض السريرية لهذه المتلازمة، وتظهر على شكل:
- سهولة وتكرارية كسر العظام خاصة في الأطراف السفلية.
- ظهور بياض العين (الصلبة) باللون الأزرق أو الرمادي.
- قصر القامة.
- فرط حركة المفاصل.
- فقدان السمع في مرحلة البلوغ.
- تشوهات هيكلية كبيرة.
هناك ما لا يقل عن 19 نوعًا معروفًا من حالات تكوّن العظم الناقص، وتتراوح من الأشكال الخفيفة مع كسور قليلة إلى الأشكال الشديدة التي يمكن أن تكون مميتة قبل الولادة أو بعدها بفترة قصيرة.
على الرغم من عدم وجود علاج شافِ لهذه المتلازمة، لكن مع العلاج المناسب، يمكن لمعظم المرضى التحكم في أعراضهم ومنع حدوث مضاعفات خطيرة.
مرض جورهام ستاوت (GSD)
مرض جورهام ستاوت (Gorham-Stout Disease)، المعروف أيضًا باسم مرض العظم المتلاشي أو مرض العظم الوهمي هو اضطراب نادر للغاية يتميز بتكاثر الأوعية الدموية رقيقة الجدران داخل العظام، مما يؤدي إلى ترقق شديد للعظام واستبدالها بنسيج الأوعية اللمفاوية.
تختلف الأعراض حسب موقع العظام المصابة، لكنها تشمل عادةً:
- ألمًا موضعيًا في العظم.
- تورمًا.
- ضعفًا في القوة البدنية وقوة العظام.
- قيودًا في حركة المفصل.
في بعض الحالات، قد لا تظهر أي أعراض حتى تحدث كسور في العظام أو التشوهات الهيكلية والإعاقة الوظيفية.
لا تزال أسباب مرض جورهام ستاوت غير معروفة تمامًا، لكن يعتقد العلماء أنها ناتجة عن اضطراب في نمو الأوعية اللمفاوية.
لا يوجد علاج شافٍ لمرض جورهام ستاوت، لكن تهدف العلاجات إلى إبطاء أو وقف فقدان العظام وتخفيف الأعراض. وقد تشمل العلاجات ما يلي:
- الأدوية: مثل البايفوسفونيت (bisphosphonates)، التي تساعد على تقوية العظام ومنع فقدانها.
- العلاج الإشعاعي؛ لتقليل نشاط الأوعية اللمفاوية.
- الجراحة؛ لإزالة الأنسجة التالفة أو لإعادة بناء العظام.
تعرف على: أخطر امراض العظام
ختامًا، تُشكل أمراض العظام النادرة، رغم ندرتها الفردية، تحديًا هائلاً في مجال الرعاية الصحية. إنّ فهم العمليات المرضية الأساسية لهذه الحالات المعقدة، وتأثيراتها في صحة الفرد ونوعية حياته، يُعدّ خطوة أساسية نحو تطوير استراتيجيات تشخيصية وعلاجية فعالة. ولكن، على الرغم من التحديات، تُبشر التطورات العلمية الحديثة بآفاق واعدة في مجال علاج أمراض العظام. فمع ازدياد فهمنا للجينات والآليات الجزيئية المُسببة لهذه الأمراض، تُفتح أبواب جديدة لعلاجات جينية وتقنيات طبية حيوية ثورية.
إلى جانب ذلك، من الضروريّ رفع مستوى الوعي بهذه الأمراض النادرة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى وأسرهم، والعمل على دمجهم في المجتمع بشكل كامل. إنّ التصدي لأمراض العظام النادرة يتطلب جهدًا جماعيًا من مختلف الجهات، ونأمل أن تُساهم الجهود المبذولة في تحسين حياة المرضى بشكل ملحوظ في المستقبل القريب.
أطباء العظام
أيضا