يُصيب اكتئاب الحمل ما يقارب واحدة من كل سبع نساء خلال فترة الحمل، مما يعني أنّكِ لستِ وحدك وليس عيبًا أو خطأً أن تشعري بالحزن أو اليأس خلال هذه المرحلة. في الوقت الذي تتطلعين فيه بلهفة لمقابلة طفلكِ، نعلم أنه قد تُغمركِ مشاعر أخرى لا يد لكِ فيها، مثل القلق والتوتر، وهو أمر طبيعي تمامًا.
لكن بالنسبة لبعض النساء، قد تتطور هذه المشاعر إلى اكتئاب حاد، مما قد يجعلهنّ يشعرن بالذنب واللوم على أنفسهنّ، لذا؛ لنتعرف إلى هذه الحالة الطبية وكيفية تجنبها وعلاجها.
اكتئاب الحمل
اكتئاب الحمل، المعروف أيضًا بالاكتئاب السابق للولادة، هو حالة صحية نفسية يمكن أن تحدث خلال فترة الحمل، وتُعد شكلاً من أشكال الاكتئاب السريري، الذي يتجلى من خلال مشاعر مستمرة من الحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت في السابق ممتعة.
على عكس التقلبات العاطفية العادية المرتبطة بالحمل، يُعد اكتئاب الحمل حالة طبية جدية تتطلب اهتماماً وعلاجاً طبياً موثوقاً.
سبب اكتئاب الحمل
تُعاني العديد من النساء من اكتئاب الحمل، ففي المملكة العربية السعودية، تشير دراسة أجريت في جدة إلى أن هذه الحالة تصيب ما يصل إلى 57.5% من النساء الحوامل المشاركين فيها.
لا تدعي هذه الإحصائية تُثبط عزيمتك، فتذكري أنك لست وحدك في هذه الرحلة، وأنّ المساعدة متاحة لكِ للتغلب على هذه التحديات.
في الواقع تكون أسباب اكتئاب الحمل متعددة الجوانب، وتنبع من تداخل معقد بين:
- التغيرات الهرمونية.
- الاستعدادات الجينية، ووجود تاريخ سابق من الاكتئاب.
- العوامل النفسية والاجتماعية، وتحديداً نقص الدعم الاجتماعي.
- الأحداث الحياتية الكبيرة، مثل: صعوبات في العلاقات، أو ضغوط مالية.
يعد اكتئاب ما قبل الولادة مشكلة صحية عامة مهمة لم يُعترف بها بشكل كافٍ، وإن الكشف المبكر والإدارة السليمة أمرًا بالغ الأهمية؛ لمنع حدوث مضاعفات خطيرة، مثل اكتئاب ما بعد الولادة والذهان.
من المهم أن تعرفي العلامات والأعراض وأن تطلبي المساعدة إذا كنت تشعرين بالإحباط أو اليأس لفترة طويلة.
أعراض اكتئاب الحمل
قد يكون التعرف على اكتئاب الحمل تحديًا، إذ يمكن للأعراض أن تشبه التغيرات الجسدية والعاطفية الطبيعية المرتبطة بالحمل، ومع ذلك، هناك علامات مميزة يجب الانتباه إليها، بما في ذلك:
- مشاعر مستمرة من الحزن أو اليأس.
- الانزعاج، أو الغضب بسهولة طوال الوقت.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة والأشخاص المقربين.
- الأفكار السلبية، مثل القلق من عدم القدرة على رعاية الطفل.
- تغيرات في نمط النوم.
- تقلبات شديدة في الشهية.
- الشعور بالذنب أو لوم النفس المستمر.
- صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات.
وفي الحالات الشديدة، أفكار إيذاء النفس أو الانتحار. إذا استمرت هذه الأعراض لأكثر من أسبوعين خلال الحمل، فمن الضروري طلب المساعدة الطبية بشكل فوري وعدم لوم النفس عليها والاستمرار في تجاهلها.
يمكنك قراءة مقال: على ماذا تدل الوان افرازات الحمل
هل الاكتئاب أثناء الحمل يؤثر على الجنين؟
اكتئاب الحمل ليس مجرد معاناة شخصية بل هو مشكلة طبية يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى على كل من الأم والجنين.
يمكن أن يؤدي الاكتئاب غير المعالج خلال الحمل إلى مجموعة من النتائج السلبية، بما في ذلك:
- زيادة خطر الولادة المبكرة، وانخفاض وزن المولود.
- إهمال الصحة الشخصية للأم، مما يؤدي إلى حالات سوء التغذية، ونقص النوم، وتقليل الرعاية السابقة للولادة.
- زيادة خطر مضاعفات الحمل، بما في ذلك تسمم الحمل، السكري الحملي وغيرها.
تمتد عواقب اكتئاب الحمل إلى ما بعد فترة الحمل، إذ يمكن للصحة النفسية للأم أن تؤثر بشكل عميق في تطور الطفل. الأطفال الذين يولدون لأمهات يعانين من الاكتئاب غير المعالج هم أكثر عرضة لتجربة تحديات عاطفية وسلوكية ومعرفية، بما في ذلك زيادة خطر اضطرابات التعلق، تأخر النمو والاحتمال للتعرض لمشكلات الصحة النفسية لاحقًا في الحياة.
التعرف على اكتئاب الحمل ومعالجته أمر ضروري لضمان حياة آمنة لكل من الأم والطفل.
تعرف على: غثيان الحمل
كيف أتجنب اكتئاب الحمل؟
لحسن الحظ، هناك استراتيجيات فعالة للوقاية من اكتئاب الحمل وعلاجه، مما يمكن الأمهات المنتظرات من التحكم في صحتهم النفسية وضمان أفضل النتائج لأنفسهم ولأسرهم.
الخطوة الأولى في إدارة اكتئاب الحمل والوقاية هي التعرف إلى عوامل الخطر ومعالجتها. قد يتضمن ذلك:
- معالجة المخاوف النفسية السابقة.
- تحسين شبكات الدعم الاجتماعي.
- معالجة أي أحداث حياتية مرهقة أو ظروف قد تساهم في تطور الاكتئاب.
كما يمكن أن تساعد الرعاية السابقة للولادة المنتظمة، بما في ذلك الفحوصات النفسية، مقدمي الرعاية الصحية في التعرف إلى أي علامات ناشئة للاكتئاب ومعالجتها بشكل استباقي.
أقرأ أيضا: هل فيتامينات الحمل ضرورية
علاج اكتئاب الحمل
بالنسبة لأولئك الذين يعانون من اكتئاب الحمل، غالبًا ما يتضمن خطة علاج شاملة مجموعة من التدخلات العلاجية النفسية والدوائية، إذ ثبت أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج الشخصي (IPT) فعّالان في الوقاية من اكتئاب الحمل وعلاجه، ويساعدان الأمهات المنتظرات على تطوير استراتيجيات التكيف، وتحدي أنماط التفكير السلبية، وتحسين التواصل والعلاقات.
في الحالات التي تفوق فيها الفوائد المخاطر، قد يصف مقدمو الرعاية الصحية أيضًا مضادات الاكتئاب التي صُنف بعضها آمناً للاستخدام بجرعات مدروسة خلال الحمل. من الضروري للأمهات المنتظرات العمل عن كثب مع فريق الرعاية الصحية الخاص بهن لموازنة المخاطر والفوائد المحتملة لأي دواء، وعدم تناول أي دواء دون الرجوع للطبيب أو زيادة الجرعة من تلقاء النفس.
بالإضافة إلى التدخلات العلاجية والطبية، يمكن أن يكون النهج الشامل لإدارة اكتئاب الحمل مفيدًا للغاية. قد يشمل ذلك:
- تعديلات نمط الحياة، مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، ممارسات اليقظة، ونظام غذائي متوازن.
- البحث والسعي للدعم الاجتماعي سواء من شريك الحياة أو أفراد الأسرة أو مجموعات الدعم، إذ يمكن أن توفر هذه الروابط درعًا حيويًا ضد التأثيرات الانعزالية للاكتئاب.
- الفحوصات النفسية المنتظمة حتى وإن بدأت الأعراض في التحسن، والتواصل المفتوح بشأن المخاوف النفسية، وتطوير خطط رعاية شخصية.
لا تنتهي رحلة اكتئاب الحمل بولادة الطفل. في الواقع، يمكن أن تقدم فترة ما بعد الولادة تحديات عاطفية فريدة من نوعها، مع احتمال تطور اكتئاب ما بعد الولادة. من الضروري أن تظل الأمهات المنتظرات ومقدمي الرعاية الصحية يقظين، مستمرين في مراقبة الصحة النفسية وتقديم الدعم اللازم خلال هذا الانتقال الحساس.
يُعد اكتئاب الحمل تحديًا معقدًا ومتعدد الجوانب، ولكن مع الدعم والموارد المناسبة، يمكن للأمهات المنتظرات التنقل عبر هذه المشاعر بمرونة. من خلال تعزيز فهم شامل لهذا الاضطراب النفسي وتعزيز التدخل المبكر، وتوفير رعاية مستمرة تلبي الاحتياجات الجسدية والعاطفية والاجتماعية للأم والطفل، يمكننا ضمان أفضل النتائج الممكنة للأسر خلال هذه المرحلة الحياتية التحولية.
كأخصائيين في الرعاية الصحية ومدافعين عن العلم والمرضى، فإن التزامنا بالصحة النفسية للأمهات لا يتزعزع، ونحن ملتزمون بتمكين الأمهات المنتظرات من إعطاء الأولوية لمشاعرهم واستمتاعهن بمباهج الحمل والأمومة.
أيضا