اضطرابات الأكتئاب عند الأطفال وكيفية علاجها بطريقة علمية

رغم البراءة التي نراها في ملامح الأطفال، قد تخفي أعماقهم صراع نفسي صامت لا يلاحظ بسهولة، حيث أن العالم الداخلي للطفل ليس بسيطًا كما يتخيل البعض، والألم النفسي لا يقتصر على الكبار فقط، مؤخرًا، بدأت اضطرابات الأكتئاب عند الأطفال تظهر باعتبارها أحد أخطر التحديات النفسية لقدرتها على التسلل بصمت إلى حياة الطفل وتغير من سلوكه ومشاعره دون أن ينتبه المحيطون به.

من هذا المنطلق، يهدف هذا المقال إلى توعية الأهالي بعلامات الاكتئاب لدى الأطفال، مع الإشارة إلى دورن الفريق لدينا في تقديم رعاية نفسية متكاملة تساعد الطفل على استعادة استقراره النفسي والشعور بالأمان.

ما هو مفهوم اضطرابات الأكتئاب عند الأطفال

الاكتئاب لدى الأطفال لا يعد مجرد حالة حزن عابرة، بل هو اضطراب نفسي يؤثر تدريجيًا على مشاعر الطفل وتواصله مع محيطه اليومي، ورغم أن بعض المواقف الصادمة قد تولد حزن طبيعي ومؤقت، إلا أن استمرار هذا الشعور وتحوله إلى سلوك انعزالي أو فقدان للرغبة في الأنشطة المعتادة يعد مؤشر يحتاج إلى انتباه جاد وتقييم متخصص.

لكي ندرك أن هذه الحالة ليست استثناء فردي تشير الملاحظات الطبية إلى أن نحو 3%  من الأطفال تظهر عليهم أعراض مرتبطة بالاكتئاب، بينما ترتفع النسبة إلى ما يقارب 9%  لدى المراهقين، ما يدل على أن الأمر أكثر انتشارًا مما يبدو في البداية.

مولدة بالذكاء الاصطناعي

الاكتئاب عند الأطفال أسبابه وعلاجه

قد يمر الطفل بلحظات حزن طبيعية نتيجة مواقف مؤثرة، وهذا يعد جزء من الاستجابة العاطفية السليمة، لكن عندما تطول مدة الحزن، أو تبدأ بالتأثير في النشاط اليومي والتحصيل الدراسي وكذلك العلاقات مع الآخرين، قد يشير ذلك إلى اكتئاب حقيقي يحتاج إلى رعاية نفسية متخصصة.

فيما يلي نقترب أكثر من اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال وكيف يمكن ملاحظته والتعامل معه مبكرًا.

اقرأ ايضاً: ما هي اضطرابات ما بعد الصدمة عند الأطفال وكيفية التخلص منها؟

أسباب الاكتئاب عند الأطفال

أسباب الاكتئاب لدى الأطفال ليست واضحة تمامًا، ولكنها غالبًا ناتجة عن تفاعل معقد بين العوامل الجينية والبيئية والنفسية، وتتضمن أهم هذه العوامل:

• العوامل الوراثية، خاصة عند وجود تاريخ عائلي لاضطرابات المزاج.
• التعرض لأحداث صادمة.
• قد تساهم أيضًا الاضطرابات الجسدية والتغيرات الهرمونية في التأثير على كيمياء الدماغ.
•  كما أن البيئة المحيطة، وخصوصًا حالات التوتر الأسري أو التعرض للتنمر في المدرسة قد تزيد من احتمالية ظهور الأعراض النفسية.
• يعد تقدير الذات المنخفض من العوامل المؤثرة بقوة، فهو يجعل الطفل أكثر حساسية وأقرب للتأثر بالاضطرابات النفسية.

أنواع الاكتئاب عند الأطفال

تختلف أنماط اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال من حيث شدتها ومدتها وأعراضها، وقد يظهر كل نوع منها سلوكيات مختلفة تحتاج إلى تقييم متخصص، فيما يلي أهم هذه الأنواع:

1.اضطراب الاكتئاب الشديد (Major Depressive Disorder)

يصاب الطفل في هذا النوع بحالة من الانطفاء النفسي المستمر، حيث يسيطر الحزن على سلوك الطفل لفترات طويلة، وقد يلاحظ عليه اضطراب في النوم والشهية، ومع الوقت تتأثر دراسته وعلاقاته الاجتماعية.

2. الاكتئاب المستمر (Dysthymia)

يوصف هذا النوع بأنه اضطراب اكتئابي طويل الأمد تتسم أعراضه بالثبات والاعتدال في آنٍ واحد، وغالبًا ما يبدو الطفل أقل حيوية، سريع التعب، متشائم النظرة، ويفضل الانعزال عن الآخرين.

3.اضطراب اختلال المزاج التخريبي (Disruptive Mood Dysregulation Disorder – DMDD)

يصيب هذا الاضطراب عادة الأطفال ما بين 6 و10 سنوات، ويتجلى في نوبات غضب حادة ومتكررة لا تتناسب مع الموقف المسبب لها، حتى خلال الفترات الهادئة يظل الطفل بحالة انفعال مستمر واستثارة سريعة.

4. الاضطراب العاطفي الموسمي (Seasonal Affective Disorder)

يرتبط هذا النوع بتغير الفصول، خاصة في الشتاء حين يقل التعرض لأشعة الشمس، وهذا يؤدي إلى اضطراب في كيمياء الدماغ المسؤولة عن المزاج، وخلال هذه الفترة قد يلاحظ الأهل زيادة في النعاس وتراجع النشاط مع انخفاض واضح في رغبة الطفل بالتفاعل الاجتماعي.

5.الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder)

يعد من الاضطرابات المعقدة نسبيًا، حيث يمر الطفل بفترات من الاكتئاب العميق تتبعها نوبات من النشاط المفرط أو السلوكيات المتهورة، ما يستلزم إشراف طبي دقيق لكون التعامل معه يختلف عن باقي أنواع الاكتئاب.

مولدة بالذكاء الاصطناعي

أعراض الاكتئاب عند الأطفال

تظهر أعراض اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال بشكل تدريجي وعلى أكثر من مستوى، وقد تتفاوت شدتها من طفل إلى آخر تبعًا للعمر وطبيعة الشخصية، ولتسهيل ملاحظتها نقوم بتوضيح كل فئة على حدة:

ما هي أعراض الاكتئاب النفسي عند الأطفال؟

تعد الأعراض النفسية والسلوكية الأكثر شيوعًا، وغالبًا ما يلاحظها الأهل أو المعلمون في سلوك الطفل اليومي، ومن أهمها:

• يبدو الطفل حزينًا أو عابسًا لفترات طويلة وقد تنتابه نوبات من البكاء أو الغضب المتكرر دون سبب واضح.
• يشعر الطفل بالتعب الدائم ويجد صعوبة في بذل الجهد المعتاد في الدراسة أو اللعب.
• يفقد الطفل الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها سابقًا ويميل إلى الانعزال أو اللامبالاة.
• يبدأ الطفل بانتقاد ذاته أو استخدام عبارات سلبية.
• فقدان الشهية والنوم القليل أو الإفراط في الأكل والنوم بشكل مفرط.
• قد يشتكي الطفل من صداع أو ألم في المعدة أو العضلات دون وجود سبب عضوي واضح.
• في الحالات المتقدمة، التفكير في الموت أو الانتحار.

ما هي أعراض الاكتئاب الذهاني؟

في بعض الحالات النادرة، قد تتطور اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال إلى اكتئاب ذهاني، وهو شكل أكثر تعقيدًا يترافق مع تشتت في الإدراك، ومن أهم أعراضه:

• الهلوسة السمعية أو البصرية من خلال سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة.
• الأفكار الوهمية أو المعتقدات الخاطئة.
• سلوكيات عدوانية أو خارجة عن السيطرة في بعض المواقف.

 أعراض الاكتئاب الجسدية عند الأطفال

إلى جانب التغيرات النفسية تظهر على بعض الأطفال علامات جسدية واضحة قد تكون أول ما يلفت انتباه الأهل، ومن أهمها:

• تغير واضح في الوزن سواء بالزيادة أو النقص دون سبب طبي واضح.
• اضطرابات في النوم تظهر في صورة أرق مستمر أو رغبة في النوم لفترات أطول من المعتاد.
• الصعوبة في التركيز والتفكير.
• بطء في الكلام أو الحركة.
• الصداع وآلام المعدة المتكررة دون سبب طبي واضح.

اقرأ ايضاً: كيفية علاج اضطرابات القلق عند الأطفال و5 نصائح للوالدين

كيفية التعامل… عندما يكون الطفل مصابًا بالاكتئاب

التعامل مع الطفل المكتئب يحتاج إلى تفهم وصبر واحتواء أكثر من اللوم أو العقاب، لأن الدعم الأسري يمثل الخطوة الأولى في مسار التعافي، لذلك، ينصح الأهل بمراعاة ما يلي:

• الحوار المنتظم مع الطفل ومشاركته مشاعره دون إصدار أحكام.
• إشراكه في أنشطة ممتعة وتجارب جديدة تشعره بالإنجاز دون ضغط أو مقارنة.
• التعاون مع المدرسة والمعلمين لمتابعة حالته التعليمية والاجتماعية عن قرب.

متى يجب القلق وطلب المساعدة؟

عند ملاحظة استمرار أعراض اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال لأكثر من أسبوعين مع تأثير واضح على سلوك الطفل أو تفاعله الاجتماعي أو تقدمه الدراسي يصبح التقييم النفسي المتخصص خطوة ضرورية للتعامل مع الحالة في وقت مبكر ومنع تطورها إلى صورة أكثر تعقيدًا.

في هذا السياق، يحرص قسم الطب النفسي داخل مستشفى الموسى التخصصي على تقديم تقييمات شاملة من قبل خبراء في الصحة النفسية للطفل تهدف إلى التشخيص المبكر ووضع خطة علاج مناسبة تناسب احتياجات الطفل والأسرة.

مولدة بالذكاء الاصطناعي

كيف يتم التعامل مع أسباب الاكتئاب داخل مستشفى الموسى التخصصي؟

في إطار منظومة الطب النفسي المتخصصة للأطفال يتعامل الفريق الطبي مع اضطرابات الاكتئاب من خلال جلسات تقييم شاملة يشرف عليها استشاريون مختصون في الصحة النفسية والعلاج السلوكي للأطفال، وتهدف هذه الجلسات إلى فهم الحالة من جذورها من خلال تحليل الجوانب التالية:

• العوامل النفسية والسلوكية.
• الجوانب الاجتماعية والبيئية .
• العوامل البيولوجية والعصبية.

البروتوكول العلاجي المعتمد داخل المستشفى

يرتكز علاج الاكتئاب على مقاربة متعددة الجوانب، تشمل التقييم الطبي المتعمق، والعلاج النفسي بمساراته المختلفة لضمان تحسن تدريجي ومستدام، الآن، يمكن تلخيص أهم خطوات العلاج على النحو الآتي:

العلاج النفسي (العلاج بالحوار)

يعد العلاج النفسي أحد الجوانب الأساسية في خطة العلاج، حيث يقدم من خلال مسارات علاجية متخصصة تهدف إلى دعم التوازن الانفعالي للطفل وتحسين طريقة تفاعله مع من حوله، وتشمل:

• العلاج السلوكي المعرفي CBT، الذي يساعد الطفل على إدراك أفكاره السلبية وفهم تأثيرها على سلوكه ومشاعره، ثم توجيهه نحو طرق تفكير أكثر توازن واستقرار.
• العلاج الموجه للأسرة، هذا النوع من العلاج يهدف إلى إشراك الوالدين في الخطة العلاجية من خلال تهيئة أجواء منزلية داعمة وتدريبهم على أساليب عملية للتعامل الصحيح مع سلوك الطفل.
• الجلسات الجماعية التفاعلية، تتم داخل مساحة علاجية آمنة بإشراف متخصصين، ويشارك فيها الطفل مع أطفال يمرون بتجارب مشابهة، وهذا يساعده على الشعور بأنه ليس وحده ويزيد من تواصله الاجتماعي.

2.العلاج الدوائي (عند الضرورة وتحت إشراف متخصص)

في حالات اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال التي تتطلب تدخل دوائي، يقوم الفريق الطبي بوصف أدوية مصممة لتناسب المرحلة العمرية، مع متابعة دورية دقيقة لضمان الاستجابة العلاجية الآمنة وتجنب أي آثار جانبية غير مرغوبة.

3. التنسيق التربوي والدعم المدرسي

ضمن خطة الدعم الشامل يتم التواصل مع المدرسة لتوفير بيئة تعليمية مرنة تراعي الحالة النفسية للطفل، مع توجيه الكادر التربوي لتخفيف الضغط الأكاديمي عند الحاجة لضمان استقرار الطفل وعدم تعريضه لمزيد من التوتر.

4. التدخل المبكر والدعم الوقائي

كما يتم العمل على رفع وعي الأسرة والمعلمين بعلامات الاكتئاب واضطرابات المزاج، إلى جانب تدريب الطفل على مهارات التكيف مثل التحكم في القلق واستخدام تقنيات الاسترخاء والتنفس الواعي لدعم استقراره النفسي.

5. المتابعة العلاجية والتأهيل النفسي المستمر

تتم متابعة الطفل من خلال جلسات دورية لمراقبة التحسن، مع تدريبه على مهارات الحياة والثقة بالنفس، ودمجه في ورش تفاعلية مخصصة، مع إشراك الأسرة لضمان استقرار الحالة وزيادة فرص التعافي المستدام.

اقرأ ايضاً: اضطراب النوم عند الطفل | الأسباب والأنواع والعلاج

عزيزي القارئ، إن اضطرابات الاكتئاب لدى الأطفال لا تعني نهاية الاستقرار النفسي، لكنها إشارة تستحق الانتباه والتعامل المبكر، لذلك، كلما تم فهم الأعراض في وقت مناسب أصبح الطريق نحو التعافي أكثر وضوحًا، وأصبح دعم الطفل أسهل وأكثر تأثيرًا.

احجز تقييم أولي لطفلك وابدأ رحلة التعافي مع مستشفى الموسى التخصصي بثقة

الأسئلة الشائعة

متى سيشعر طفلي بالتحسن بعد العلاج؟

يختلف معدل الاستجابة للعلاج من طفل لآخر، إلا أن التحسن يبدأ عادةً بشكل تدريجي خلال الأسابيع الأولى من بدء الخطة العلاجية، ومع المتابعة المنتظمة تبدأ الأعراض في الاستقرار ويصبح الطفل أكثر قدرة على التكيف والتعبير عن مشاعره بهدوء.

ما هو اختبار الاكتئاب للأطفال؟

يستخدم المتخصصون مقياسًا نفسيًا مخصصًا للأطفال للكشف المبكر عن أعراض الاكتئاب، وهو مستوحى من أدوات التشخيص المعتمدة للبالغين لكن بصيغة تناسب عمر الطفل، ويساعد هذا التقييم في رسم صورة واضحة عن الحالة ومتابعة التحسن بمرور الوقت.

ما هي أخطر أنواع الاكتئاب؟

تعد الحالات التي يصاحبها انسحاب اجتماعي شديد، فقدان الرغبة في الحياة، أو ظهور أفكار سلبية متكررة عن الذات أو المستقبل من أكثر صور الاكتئاب خطورة وتتطلب متابعة علاجية دقيقة.

في أي سن يتم تشخيص اضطراب الاكتئاب الشديد؟

يمكن ملاحظة العلامات منذ سن مبكر، لكن غالبًا يبدأ التشخيص المؤكد في الفئة العمرية بين 6 و17 عامًا، مع الإشارة إلى أن الحالات الشديدة قد تظهر قبل سن 14 عام وتتطلب تدخل متخصص مبكر.