

قد يحمل الكبار بداخلهم قلقًا خفيًا لا يظهر بسهولة، بل يتسلل في صورة شعور داخلي صامت يتجاوز تدريجيًا حدود الاشتياق الطبيعي ليصبح ارتباك داخلي حقيقي عند الابتعاد عن شخص معين أو مكان يمنحهم الأمان، حيث يصبح الشعور بالأمان مرتبطًا بشخص محدد بدل أن يكون حالة داخلية مستقرة، عند هذه النقطة، يأتي سؤال مهم يستحق التأمل، هل ما يحدث هو مجرد حنين عاطفي عابر، أم أننا أمام حالة نفسية تعرف بأسم قلق الانفصال عند الكبار؟
هذا الدليل يوضح أساس هذه الحالة، وكيف يمكن ملاحظة المراحل الأولى.
ما معنى قلق الانفصال عند الكبار
عند بعض البالغين، يتحول التعلق بشخص معين إلى حالة من القلق المستمر، حيث يشعر الفرد بتوتر واضح بمجرد الابتعاد عنه، حتى لو كان الانفصال بسيط ومؤقت، على سبيل المثال الخروج للعمل أو السفر القصير.
في هذه الحالة لا يكون الشعور مجرد اشتياق طبيعي، بل خوف داخلي يدفع الشخص للبحث الدائم عن الطمأنينة وقد يظهر ذلك في صورة تشبث زائد أو رغبة في السيطرة خشية الفقد أو الهجر.
اقرأ ايضاً: قلق الانفصال: متى يكون الخوف من فراق الأحبة خطيرا؟

مولدة بالذكاء الاصطناعي
الفرق بين اضطراب قلق الانفصال عند البالغين وعند الأطفال
يجدر الإشارة إلى أن هذا القلق لا يظهر بالطريقة نفسها في كل المراحل العمرية، فما يعد طبيعيًا عند الأطفال قد يظهر بشكل مختلف تمامًا عند البالغين، و لتوضيح الفرق بين الحالتين يمكن عرض الأمر على النحو التالي:
عند الأطفال:
يظهر قلق الانفصال باعتباره جزء طبيعي من النمو بين عمر 6 أشهر و3 سنوات، لكن عندما يستمر هذا الشعور بعد هذه المرحلة يعتبر مؤشر على اضطراب يحتاج إلى ملاحظة، في هذه الحالة، يميل الطفل للخوف من الابتعاد عن الأهل وقد يتجنب الأنشطة الاجتماعية مثل المبيت خارج المنزل أو الذهاب للمخيمات.
عند البالغين:
لا يزول قلق الانفصال مع التقدم في العمر، بل يتخفى خلف تعلق هادئ بشخص يمنح الأمان، ويستمر الخوف من فقدانه حتى دون التعبير عنه علنًا، وبالرغم من غياب السلوكيات الطفولية المباشرة، إلا أن القلق يظهر في صورة توتر غير مبرر، وحساسية مفرطة تجاه أي تأخير أو غياب بسيط، وكأن ابتعاد الطرف الآخر ولو للحظات يكفي لاهتزاز الشعور بالاستقرار.
ما هي أعراض قلق الانفصال؟
تتنوع انعكاسات قلق الانفصال عند الكبار بين أعراض نفسية وجسدية وسلوكية، وقد تبدو أحيانًا تصرفات عادية، لكنها في حقيقتها ناتجة عن خوف عميق من الفقد أو الوحدة، ومن أهم تلك العلامات:
أولًا: على المستوى النفسي والعاطفي
في هذا الجانب، يظهر القلق بشكل داخلي هادئ لكنه مستمر، ويتجسد في الطريقة التي ينظر بها الشخص للعلاقة ويشعر بها من الداخل، ومن أهم ما يمكن ملاحظته في هذا الجانب:
- انزعاج واضح أو توتر ملحوظ عند ابتعاد شخص مقرب حتى لو كان الغياب مؤقت أو مبرر.
- انشغال ذهني دائم بأفكار مزعجة عن احتمال تعرض الطرف الآخر للأذى.
- خوف داخلي متكرر من أن العلاقة قد تنتهي فجأة دون مبرر واضح.
- استمرار التعلق بعلاقات مؤذية أو مرهقة فقط لتجنب الإحساس بالفراغ أو الهجر.
- غيرة مفرطة لا ترتبط بالشك بقدر ما ترتبط بالخوف من الانفصال والانقطاع العاطفي.
ثانيًا: في السلوك والتصرفات اليومية
عند هذه المرحلة، لا يبقى قلق الانفصال عند الكبار مجرد شعور داخلي، بل يبدأ بالظهور في التصرفات اليومية بشكل غير مباشر، ويتجلى ذلك من خلال:
- حاجة ملحة للاطمئنان تتجلى في الانتظار القلق لأي تفاعل من الطرف الآخر، سواء من خلال متابعة آخر ظهور أو التحديق في شاشة الهاتف بانتظار رسالة.
- صعوبة التركيز في العمل أو الدراسة بسبب الانشغال المستمر بفكرة ماذا لو ابتعد؟
- مراقبة الشخص الآخر عاطفيًا، وتحليل ردوده وكلماته بحثًا عن أي إشارة انفصال أو برود عاطفي.
- محاولة السيطرة الزائدة على الأبناء أو الشريك بدافع الحماية، لكنها في العمق محاولة غير واعية لمنع الانفصال.
ثالثًا: على المستوى الجسدي والانفعالي
عند هذا الحد، لا يظل القلق مقيدًا في الداخل فقط، بل يبدأ الجسد في التعبير عنه بطريقته الخاصة، لتظهر مجموعة من العلامات الجسدية الملحوظة، من أهمها:
- صداع متكرر.
- توتر عضلي.
- آلام في المعدة.
- غثيان أو اضطرابات في الهضم عند حدوث أي موقف يوحي بالابتعاد.
- تسارع في ضربات القلب أو ضيق في التنفس عند فقدان التواصل أو تأخر الطرف الآخر بشكل غير معتاد.
- صعوبة في النوم، وكثرة التفكير قبل النوم تحديدًا، حيث تنشط المخاوف الليلية حول الفقد أو الهجر.
- في بعض الحالات، تظهر نوبات هلع مفاجئة عند الشعور بأن العلاقة غير مستقرة أو أن الطرف الآخر أصبح أقل حضورًا.
اقرأ ايضاً: كيف تتعامل مع الضغوط النفسية اليومية

مولدة بالذكاء الاصطناعي
أسباب اضطراب قلق الانفصال عند البالغين
يمكن لاضطراب قلق الانفصال عند الكبار أن يتكون في مرحلة البلوغ نتيجة تراكم تجارب حياتية تمس الإحساس الداخلي، ومن أهم العوامل التي قد تساهم في ظهوره:
- التعرض لخبرات صادمة أو مؤلمة مثل فقدان شخص مقرب أو مواجهة هجر مفاجئ أو رفض عاطفي قاسي.
- النشأة تحت رعاية مبالِغة في الحماية أو تحت سلطة قاسية، حيث يفقد الشخص فرصة بناء إحساس داخلي مستقل بالأمان، ويتعلق بالأطراف الخارجية لكونها مصدر وحيد للاستقرار.
- الانتقال المفاجئ من بيئة آمنة إلى أخرى جديدة، مثل بداية الدراسة الجامعية أو الابتعاد عن الأسرة لأول مرة، ما قد يخلق فراغ عاطفي صعب التكيف معه.
- وجود تاريخ سابق لقلق الانفصال في مرحلة الطفولة، ما يجعل نمط التعلق القلق يستمر وينتقل تلقائيًا إلى مرحلة البلوغ.
متى يصبح القلق من الانفصال حالة تستدعي تشخيص طبي؟
في مراكز العلاج السلوكي، ومن أهمها مستشفى الموسى التخصصي يتم التعامل مع قلق الانفصال عند الكبار باعتباره حالة تحتاج إلى تقييم دقيق، وليس مجرد شعور عابر، لذلك يتم التشخيص من خلال خطوات واضحة تشمل ما يلي:
خطوات تقييم الحالة
يبدأ الطبيب جلسة التقييم بالاستماع إلى التجربة الشعورية للمريض، مع طرح أسئلة تتعلق بطريقة تعامله مع الانفصال أو البعد عن الأشخاص المرتبط بهم عاطفيًا.
كما يطلب من المريض وصف تأثير هذا القلق على حياته اليومية، أو القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة، وبالتالي قد يتم الاستعانة بأحد أفراد العائلة أو شخص مقرب لتوضيح ملامح السلوك، لكن بعد موافقة الشخص نفسه حفاظًا على الخصوصية.
معايير يلتزم بها الطبيب قبل تثبيت التشخيص
حتى يتم تأكيد اضطراب قلق الانفصال، يجب أن تتوفر الشروط التالية:
- استمرار الأعراض لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
- وجود تأثير واضح لهذه الأعراض على القدرة على أداء المسؤوليات اليومية أو الحفاظ على العلاقات الاجتماعية.
- ألا تكون هذه الأعراض نتيجة اضطراب آخر يفسر الحالة بشكل أدق.
- ثبات نمط القلق وليس ظهوره فقط في مواقف عابرة.

مولدة بالذكاء الاصطناعي
كيف يمكنني علاج اضطراب القلق من الانفصال؟
بعد فهم طبيعة هذا الاضطراب وأسبابه، يمكن الانتقال الآن إلى جانب لا يقل أهمية، وهو كيف تتم معالجته؟ دعونا نتعرف على الخطوات المعتمدة في التعامل مع علاج قلق الانفصال عند الكبار فيما يلي:
العلاج النفسي لإعادة بناء الارتباط العاطفي الصحي
في مسار العلاج، يبدأ الفريق الطبي بالعلاج السلوكي لكونه خطوة أساسية قبل التفكير في أي تدخل دوائي، هذا النوع من العلاج يساعد الشخص على فهم خوفه من الداخل، بدل الاكتفاء بمحاولة تهدئته مؤقتًا، ويعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الخطوة الأولى والأكثر استخدامًا، حيث يساعد على:
- فهم المخاوف العميقة المرتبطة بفكرة الفقد.
- تدريب الذهن على مواجهة مواقف الانفصال بشكل تدريجي دون استسلام لنوبات القلق.
- بناء إحساس داخلي بالأمان غير المعتمد بالكامل على وجود شخص محدد.
- كما يستخدم خلال هذه الجلسات أسلوب التعرض التدريجي تحت إشراف مختص، حيث يتم تدريب الشخص على تقبل فكرة البعد أو الانفصال اللحظي دون انهيار شعوري
العلاج الدوائي لخفض حدة التوتر
في الحالات التي يظهر فيها القلق بشكل قوي ومؤثر على الحياة اليومية يبدأ الطبيب المختص بوصف أدوية من فئة مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية (SSRIs) للمساعدة على:
- تهدئة فرط نشاط الجهاز العصبي المرتبط بالقلق.
- تخفيف نوبات الهلع والتوتر المستمر.
- تهيئة الشخص للانتقال إلى الجلسات النفسية وهو في حالة أكثر استقرارًا.
يجدر بالذكر أن الأدوية هنا لا تستخدم لإخفاء المشاعر، بل لتخفيض حدتها حتى يتمكن الشخص من إعادة بناء استجابته العاطفية من خلال العلاج النفسي لاحقًا.
الدعم السلوكي والأسري في التعامل مع القلق
ضمن خطة العلاج يتم العمل على تدريب الشخص على مهارات التكيف حتى يتعلم تهدئة استجابته الانفعالية والابتعاد عن التعلق المفرط بشكل تدريجي، وفي الوقت نفسه، يشكل الدعم العائلي أو العاطفي عنصر مكمل لهذا التدريب، حيث إن وجود بيئة متفهمة لا تقلل من مشاعره قد يساعد على خفض التوتر وتحسين شعوره بالأمان.
اقرأ ايضاً: دليلك لتحسين الصحة النفسية والرفاهية العامة
لماذا يثق المرضى بنا في علاج قلق الانفصال واضطرابات التعلق؟
في مركز رفاه للصحة النفسية بمستشفى الموسى التخصصي يعالج قلق الانفصال عند الكبار بوصفه حالة تؤثر في جودة الحياة والعلاقات، لا شعورًا عابرًا، لذا نعتمد أسلوب متكامل يبدأ بتقييم دقيق لمصادر القلق و أنماط التعلق، ثم وضع خطة علاج فردية تلائم احتياجات كل حالة.
من الجوانب التي نحرص على توفيرها لمن يبدأ رحلة التعافي:
- فريق علاجي متخصص في اضطرابات التعلق والقلق العاطفي.
- جلسات تقييم متكاملة تستكشف نمط التعلق العاطفي، وتفاعلات الجهاز العصبي، ودرجة الاعتماد النفسي على الأشخاص المقربين.
- برامج علاج فردية وليست نمطية تتم وفقًا لشخصية المريض وتاريخه العاطفي.
- منظومة علاجية متفهمة ومحترمة للمشاعر تقدم الدعم النفسي دون أحكام أو أساليب تقليدية مرهقة.
- متابعة علاجية منظمة لضمان تحسن تدريجي وثابت، وليس تحسن مؤقت ينتهي مع أول تجربة انفصال جديدة.
- متابعة علاجية مستمرة لمراقبة التحسن وضمان انتقال المريض من مرحلة التعلق القلقي إلى مرحلة التوازن والاستقرار.
بذلك نكون قد وضحنا الصورة الكاملة حول قلق الانفصال عند الكبار، وكيف يمكن التعامل معه بوعي وعلاج متخصص.
ابدأ الآن بخطوة بسيطة نحو التعافي، فقط تواصل معنا وسوف يقوم فريق الموسى الصحية بالتنسيق معك لبدء جلستك الأولى بهدوء وخصوصية تامة.

مولدة بالذكاء الاصطناعي
الأسئلة الشائعة
متى ينتهي قلق الانفصال؟
قد يستمر لفترات طويلة إذا لم تتم معالجته، لكنه يبدأ بالتراجع تدريجيًا عند الدخول في علاج نفسي موجه وإعادة ضبط نمط التعلق العاطفي.
كم من الوقت يستغرق الشخص للتعافي من الانفصال؟
قد تبدأ مؤشرات التحسن خلال أسابيع من الجلسات النفسية المنتظمة، بينما يحتاج التعافي الكامل إلى وقت يتناسب مع شدة الحالة واستمرار الشخص في العلاج والدعم العاطفي.
ما الفرق بين قلق الانفصال والاعتمادية العاطفية؟
القلق من الانفصال يظهر عند غياب الطرف المرتبط به الشخص، ويولد خوفًا من الفقد، أما الاعتمادية العاطفية هي تعلق مستمر يجعل الشخص غير قادر على الشعور بالأمان حتى أثناء وجود الطرف الآخر، لأنه يعتمد عليه نفسيًا بشكل كامل.
مهتم بصحتك؟
تابع أحدث المقالات، هذه مقالة طبية ولا تغنيك عن استشارة الطبيب، يمكنك الحجز مع افضل الاطباء في المملكة.
احجز موعدأيضا