يُعدّ البهاق حالة جلدية معقدة، يهاجم فيها الجهاز المناعي عن طريق الخطأ خلايا الميلانين، وهي المسؤولة عن إضفاء اللون إلى بشرتنا، وينتج عن ذلك ظهور بقع بيضاء مميزة، قد تنتشر هذه البقع في مختلف أنحاء الجسم، مما يُؤثّر في المظهر الجسدي ويسبب تحديات نفسية. لحسن الحظ، يشهد مجال علاج البهاق تطوراً ملحوظاً، مما يُبشّر بفتح آفاق جديدة وفرص واعدة للأشخاص الذين يسعون لاستعادة إشراقة بشرتهم الطبيعية.
هل يمكن علاج البهاق وما أسبابه؟
في حين أن المحفزات الدقيقة للبهاق غير مفهومة أو مؤكدة تماماً، تشير الأبحاث إلى الأسباب المحتملة الآتية:
- المناعة الذاتية: هجوم خاطئ من قبل الجهاز المناعي على خلايا الميلانين.
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي من أمراض المناعة الذاتية.
- أمراض أخرى، مثل: سرطان الجلد أو الغدد الليمفاوية.
- العوامل البيئية: حروق الشمس الشديدة، التعرض للمواد الكيميائية، الإجهاد العاطفي والتوتر.
ويُعد تحديد الأسباب الكامنة أمراً بالغ الأهمية في تطوير استراتيجيات علاجية مخصصة تعالج جوهر المشكلة.
أما فيما يخص العلاج، وعلى الرغم من أنه لا يوجد علاج حتمي للبهاق، تهدف العلاجات المتاحة إلى:
- إبطاء أو إيقاف تطور المرض.
- تحفيز إعادة نمو الخلايا المنتجة للصباغ (خلايا الملانين).
- توحيد لون بشرة، للحصول على مظهر أكثر جمالية وتناسق.
لنناقش سوياً السُبل المتاحة للعلاج ونتعرف إلى آخر ما توصل إليه الطب في علاج البهاق.
طرق علاج البهاق
تتضمن أسرع طريقة لعلاج البهاق عادةً مجموعة من العلاجات المصممة خصيصًا لحالة الفرد. تتضمن بعض خيارات العلاج ما يلي:
العلاجات الموضعية للبهاق: الخط الأول للدفاع
تقليدياً، كان النهج الأول لإدارة البهاق يتضمن استخدام الأدوية الموضعية، التي يمكن تطبيقها مباشرة على المناطق المتأثرة من الجلد. تهدف هذه العلاجات إما إلى تحفيز نمو خلايا الصباغية أو منع الاستجابة المناعية التي تسبب فقدان الصبغة.
- الكورتيكوستيرويدات: الكريمات والمراهم الحاوية على الكورتيزون بتراكيز مختلفة غالباً ما تكون الخيار الأول لعلاج البهاق الموضعي أو البهاق في مراحله المبكرة. تعمل هذه الأدوية عن طريق تقليل الالتهاب والحد من الهجوم المناعي على خلايا الميلانين.
- مثبطات الكالسينورين: وأشهرها البيميكروليموس (Pimecrolimus) والتاكروليموس (Tacrolimus)، والتي يمكن أن تكون فعالة في استعادة التصبغ، خصوصاً في المناطق الحساسة، مثل الوجه والرقبة.
- نظائر فيتامين د: أظهرت مركبات، مثل الكالسيتريول (Calcitriol)، التي تُشتق من فيتامين د، وعدًا في تحسين حالة البهاق عند استخدامها بالتزامن مع علاجات موضعية أخرى أو العلاج بالضوء.
بينما يمكن أن تكون العلاجات الموضعية فعالة، خاصةً للبهاق المحدود أو في مراحله المبكرة، قد لا تكون كافية للحالات الأكثر انتشارًا أو المقاومة للعلاج. في مثل هذه الحالات، قد يوصي مقدمو الرعاية الصحية بتزامنها مع أساليب علاجية إضافية.
علاج البهاق الجديد
كريم روكسوليتينيب (Ruxolitinib) هو أول علاج معتمد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لاستعادة الصباغ لدى مرضى البهاق المزمنين. يشتهر هذا الدواء بالاسم التجاري كريم أوبزيلورا (Opzelura).
يستهدف كريم روكسوليتينيب تثبيط إنزيم جانوس كيناز (JAK)، مما يؤدي إلى إيقاف الاستجابة المناعية للجسم التي تدمر الخلايا الصباغية المنتجة للميلانين. يقدم هذا العلاج الموضعي خيارًا جديدًا للمرضى، وخاصة أولئك الذين يعانون من آفات موضعية خاصة على الوجه، لتجنب الآثار الجانبية المحتملة طويلة المدى للعلاجات الجهازية.
الجدير بالذكر أنه سُمح باستخدامه لدى المرضى الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا فما فوق.
علاج البهاق بالليزر
يتضمن العلاج بالليزر استخدام شعاع عالي التركيز من الأشعة فوق البنفسجية فئة UVB من ليزر الإكسيمر؛ لتحفيز إعادة التصبغ في الجلد، وهو فعال بشكل خاص للبهاق الموضعي.
يُعد الإجراء غير مؤلم، ويُجرى بسهولة في عيادة الطبيب، ولكنه يتطلب جلسات متعددة للحصول على أفضل النتائج.
يمكن لليزر الوصول إلى المناطق التي قد يكون من الصعب علاجها بالعلاج الضوئي القياسي وقد أظهر نتائج جيدة، خاصة على الوجه والرقبة.
إن الليزر ليس هو العلاج الضوئي الوحيد، بل ظهر العلاج بالضوء في بدايته عبر استخدام التعرض المنضبط للضوء فوق البنفسجي ضيق النطاق أو باستخدام UVA ودواء السوالرين (PUVA)، كأدوات قيمة في إدارة البهاق.
غالبًا ما يستخدم العلاج بالضوء بالتزامن مع علاجات أخرى، مثل الأدوية الموضعية، لتعزيز الفعالية وسرعة عملية إعادة التصبغ، ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن التعرض المطول أو المفرط للأشعة فوق البنفسجية يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد، مما يؤكد على أهمية الإشراف الطبي الدقيق والالتزام بالبروتوكولات العلاجية الموصوفة.
العلاج المناعي للبهاق
في الحالات التي تكون فيها الأساليب الموضعية والعلاج الضوئي غير كافية، قد ينظر الطبيب في العلاجات التي تستهدف العمليات المناعية الأساسية المؤدية للبهاق.
- الكورتيكوستيرويدات الفموية، مثل البريدنيزون التي يمكن أن تساعد في منع الهجوم المناعي على الخلايا الصباغية مما قد يبطئ أو يوقف تقدم البهاق، ومع ذلك، يجب استخدامه عادة بشكل محدود وبجرعات مدروسة بسبب خطر الآثار الجانبية.
- الأدوية المثبطة للمناعة، مثل: الميثوتريكسيت والأزاثيوبرين وهي خيارات علاجية محتملة للبهاق الأكثر انتشارًا أو المقاوم للعلاج.
تتطلب مثل هذه الأدوية مراقبة دقيقة وإدارة الآثار الجانبية المحتملة، مما يؤكد على أهمية العمل عن كثب مع طبيب مؤهل؛ لتحديد المسار الأنسب للعلاج.
ما هو العلاج الجراحي للبهاق؟
في الحالات التي لم تكن فيها العلاجات الأخرى ناجحة أو في الحالات التي يكون فيها البهاق محدودًا في مناطق معينة، قد ينظر مقدمو الرعاية الصحية في التدخلات الجراحية كوسيلة لاستعادة لون البشرة.
تهدف الجراحة إلى توحيد لون البشرة واستعادة لونها الطبيعي. تشمل التقنيات الجراحية ما يلي:
- تطعيم الجلد (Skin Grafting): تتضمن هذه العملية نقل الجلد الصحي ذي اللون الطبيعي من منطقة من الجسم إلى الآفات غير المصبوغة. يستخدم هذا العلاج في حالة وجود بقع صغيرة من البهاق.
- الترقيع بالبثور (Blister Grafting): يُنشئ الطبيب بثورًا، أو ما يُطلق عليه فقاعات جلدية على الجلد المتصبغ باستخدام تقنية السحب أو الشفط. تُزال الطبقة السطحية من هذه الفقاعات، ثم تُزرع على الجلد الذي فقد لونه في منطقة البهاق.
- الزرع الخلوي (الخلايا الميلانية والكيراتينية): في هذا الإجراء المتخصص، تؤخذ عينة صغيرة من الجلد السليم الخاص بالمريض، وتُفصل الخلايا الميلانية ومن ثم تُزرع في المناطق غير المصبوغة، مما يعزز نمو هذه الخلايا خلال الأيام التالية (4 أسابيع تقريباً) وتحسن حالة البهاق.
بينما يمكن أن تكون التدخلات الجراحية فعالة في استعادة التصبغ، فإنها عادة ما تكون مخصصة للأفراد الذين يعانون من البهاق المستقر وغير المتقدم وقد لا تكون مناسبة لجميع المرضى بسبب خطر التندب أو التصبغ غير المتساوي.
قد يهمك: علاج حساسية الجلد من الأكل
هل هناك حلول تجميلية للبهاق؟
بالنسبة لبعض الأشخاص المصابين بالبهاق، يمكن أن يكون التأثير التجميلي الفوري للحالة مرغوباً بشكل كبير. في مثل هذه الحالات، قد يدعم مقدمو الرعاية الصحية فكرة استخدام الحلول التجميلية والتمويهية للمساعدة في إخفاء المناطق غير المصبوغة وتحسين المظهر العام للجلد وتحسين الثقة بالنفس.
يمكن استخدام مستحضرات التجميل الخاصة بالتمويه لمزج وإخفاء مظهر بقع البهاق، مما يوفر لون بشرة أكثر توازناً وطبيعية.
كما قد تُستخدم الكريمات والمستحضرات التجميلية المتاحة في الصيدليات لتسمير المناطق المصابة بشكل مؤقت، مما يساعد في تقليل التباين بين المناطق المصبوغة وغير المصبوغة.
ما أسرع طريقة لعلاج البهاق؟
تُشير الدراسات إلى أن أسرع طريقة لعلاج البهاق هي باستخدام العلاج الضوئي أي من خلال العلاج بالأشعة فوق البنفسجية ضيقة النطاق (NB-UVB).
يتضمن هذا العلاج تعريض الجلد المصاب لأطوال موجية محددة من الأشعة فوق البنفسجية ب، مما يساعد على تحفيز إنتاج الميلانين وإعادة تصبغ الجلد. يمكن أن يختلف تواتر ومدة جلسات العلاج اعتمادًا على شدة البهاق وموقعه، ولكن بشكل عام، تُجرى الجلسات مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع لعدة أشهر.
شهد علاج البهاق تحولًا ملحوظًا، مع إدخال العلاجات المتطورة، وتقدم أدوات التشخيص، وفهم أعمق للآليات الكامنة التي تحرك هذه الحالة المناعية الذاتية. من خلال البقاء على اطلاع بأحدث التطورات والعمل عن كثب مع مقدمي الرعاية الصحية المؤهلين، يمكن للأفراد المصابين بالبهاق السير في طريق صحة الجلد الأفضل والثقة بالنفس.
أيضا