تخيل نفسك تعيش حياة طبيعية، تتناول وجباتك المفضلة، وتمارس أنشطتك المعتادة، وفجأة، تظهر أعراض غريبة: عطش شديد، وجوع لا ينتهي، وشعور دائم بالتعب. تبدأ رحلة جديدة، رحلة صامتة مع مرض السكري النوع الثاني، عدو خفي ينتشر في صمت، تاركًا وراءه آثار قد تُغير مجرى حياتك.
لنقترب أكثر ونتعرف إلى هذا المرض، وما هي أسبابه لبدء رحلة الوقاية ونشجع جميع من يواجهون هذا المرض على المضي قدمًا في رحلةٍ نحو حياةٍ صحيةٍ أفضل.
ما هو السكري النوع الثاني؟
يحدث داء السكري من النوع الثاني نتيجة ارتفاع مزمن لمستويات السكر في الدم، ويرجع ذلك إلى خلل في كيفية استخدام الجسم للجلوكوز، وهو مصدر الطاقة الرئيسي له، وذلك لأحد السببين الرئيسيين:
- نقص في إفراز الأنسولين: يُعدّ الأنسولين هرمونًا ضروريًا لنقل الجلوكوز من مجرى الدم إلى الخلايا. في مرض السكري من النوع الثاني، لا ينتج البنكرياس كمية كافية من الأنسولين لتلبية احتياجات الجسم.
- مقاومة الأنسولين: حتى مع وجود كمية كافية من الأنسولين، قد تصبح خلايا الجسم مقاومة لفعله، مما يُعيق امتصاص الجلوكوز واستخدامه.
نتيجة لهذه العوامل، يتراكم الجلوكوز في مجرى الدم بدلاً من دخول الخلايا، ولكن ما هي العوامل المسببة لهذا المشكلة المرضية؟ لنتعرف سوياً.
أسباب مرض السكري من النوع الثاني
هناك عدة عوامل تساهم وتزيد خطورة الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وهي متمثلة في:
- زيادة الوزن أو السمنة: يُعدّ تراكم الدهون الزائدة في الجسم، خاصة حول البطن، أحد أهم عوامل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
- قلة النشاط البدني: يؤدي نمط الحياة الخامل إلى ضعف قدرة الجسم على استخدام الأنسولين بشكل فعال، ممّا يُؤدّي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم، وتطور مقاومة الأنسولين.
- النظام الغذائي غير الصحي: تناول الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكريات المُصنّعة والحبوب المكرّرة يُؤثّر سلبًا في مستويات السكر في الدم ومقاومة الأنسولين بجانب المسببات الأخرى.
- العوامل الوراثية: يزداد خطر الإصابة بالمرض بشكل كبير في حال وجود إصابات سابقة بمرض السكري من النوع الثاني في العائلة، خاصة بين الوالدين أو الأشقاء.
- العمر: مع ازدياد العمر، يرتفع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، لتصبح أكثر شيوعًا بعد سن الخامسة والأربعين.
- مرحلة ما قبل السكري: وهي حالة تصيب بعض الأفراد قد لا يلقون لها بالاً، ترتفع فيها مستويات السكر في الدم عن المعدل الطبيعي، ولكنها ليست مرتفعة بما يكفي لتشخيص الإصابة بالسكري.
- سكري الحمل: السيدات اللاتي يُصبن بسكري الحمل أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني في وقت لاحق من حياتهن.
- أمراض القلب والأوعية الدموية: ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وغيرها من عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية تزيد من احتمالية الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
- متلازمة تكيس المبايض: هي حالة تصيب النساء وتتميز بأعراض، مثل عدم انتظام الدورة الشهرية وزيادة الوزن، وتُعدّ من عوامل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني نتيجة مقاومة الأنسولين.
كما أنه للعوامل العرقية والمناطق السكنية وأنماط الحياة دوراً مؤثراً في احتمالية الإصابة بداء السكري النوع الثاني.
أعراض السكري النوع الثاني
يُعدّ مرض السكري من النوع الثاني من الأمراض المزمنة التي قد لا تُظهِر أي أعراض في مراحلها المبكرة، ممّا يجعله عدوًّا خفيًّا يُهدّد صحة الكثيرين.
ولكن لحسن الحظ، هناك علامات تحذيرية يمكن أن تُشير إلى وجود هذا المرض، ممّا يُتيح لك فرصة الكشف المبكر عنه والحصول على العلاج المناسب. إليك بعض هذه العلامات:
- العطش الشديد وكثرة التبول، وهو ما قد يكون إشارة إلى محاولة الجسم للتخلص من السكر الزائد في الدم عن طريق البول.
- الإعياء المستمر: الشعور بالتعب والضعف وقلة الطاقة نتيجة عدم قدرة الجسم على استخدام الأنسولين بشكل فعال ودخول الجلوكوز إلى الخلايا للعمل بشكل صحيح.
- فقدان الوزن غير المبرر: خسارة الوزن دون محاولة إنقاصه هو مؤشر أيضاً، إذ يصبح الجسم غير قادر على استخدام الجلوكوز بشكل فعال للحصول على الطاقة، مما يؤدي إلى فقدان الوزن.
قد يهمك: اعراض ارتفاع السكر
بالإضافة إلى ذلك قد يُلاحظ أعراضاً هامة، مثل:
- جفاف الفم.
- الحكة والالتهابات الفطرية في الجهاز البولي والتناسلي.
- بطء التئام الجروح والكدمات.
- تشوش الرؤية أو صعوبة التركيز.
- الصداع، وأحياناً تطوره لأعراض، مثل الدوار أو الإغماء.
- مشكلات الجلد، مثل الالتهابات والحكة وتغير لون الجلد.
هل مرض السكري من النوع الثاني خطير؟
يُعدّ مرض السكري من النوع الثاني من الأمراض المزمنة التي تتطلب عناية واهتمامًا خاصّين. فإهماله وعدم علاجه لفترات طويلة قد يُعرّض صحة المصاب لمخاطر ومضاعفات صحية جادّة، بعضها قد يُهدّد حياته.
إليك بعضًا من هذه المضاعفات:
- تلف الأعصاب: ارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل دائم يمكن أن يؤدي إلى ضرر في الأعصاب، مما يُسبب تنميلًا وخزًا وألمًا في القدمين والساقين.
- الحُماض الكيتوني السكري: وهي حالة خطيرة تتطور بشكل حاد نتيجة نقص الأنسولين الشديد وارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل كبير.
- الاعتلال الكلوي: يُمكن لارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل غير منضبط أن يُلحق الضرر بالكلى على المدى البعيد.
- اعتلال الشبكية السكري: قد يؤدي السكري إلى إتلاف الأوعية الدموية الدقيقة في العين، مما يُهدد البصر والرؤية بوضوح.
- القدم السكري: يمكن أن يؤدي عدم انضباط مستويات السكر في الدم إلى تقليل تدفق الدم إلى القدمين، مما يُهيئ لظهور تقرحات والتهابات في الأطراف السفلية.
- الإصابة بالأمراض المزمنة: يُعدّ ارتفاع السكر في الدم من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية، والتي يمكن أن تكون مهددة للحياة.
- مشكلات الحمل: ارتفاع السكر في الدم أثناء الحمل يزيد من خطر التعرض للإجهاض أو الولادة المبكرة.
- مشكلات جنسية: يمكن أن يؤدي ارتفاع السكر في الدم إلى ضعف الانتصاب لدى الرجال، وانخفاض الرغبة الجنسية لدى الرجال والنساء.
يمكنك قرأة مقال: معدل السكر الطبيعى بعد الأكل
متى تظهر مضاعفات السكري النوع الثاني؟
لا يوجد توقيت محدد لظهور مضاعفات السكري من النوع الثاني، إذ أنه أشبه برحلة طويلة قد يصاحبها ظهور مضاعفاتٍ على المدى القصير والبعيد.
والجدير بالذكر أن مضاعفات السكري لا تُعد حتميةً، بل يمكن الوقاية منها أو تأخير ظهورها من خلال اتباع نهجٍ شاملٍ لإدارة المرض، الذي يشمل
- الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن النطاق المستهدف من قبل الطبيب.
- اتباع نظام غذائي صحي غني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة ومنخفض الدهون المشبعة والكوليسترول.
- ممارسة الرياضة بانتظام، لمدة 30 دقيقة على الأقل معظم أيام الأسبوع.
- الحفاظ على وزن صحي.
- الإقلاع عن التدخين.
- إجراء الفحوصات الطبية الدورية بانتظام.
- الالتزام بالعلاج الدوائي وإجراء فحوصات منتظمة.
هل يشفى مريض السكر النوع الثاني؟
يُعدّ داء السكري من النوع الثاني من الأمراض المزمنة التي لا يوجد لها علاج شافٍ حتى الآن.
ولكن، لا يعني ذلك الاستسلام لهذا المرض، بل يُمكن السيطرة عليه وتحسينه بشكل كبير من خلال اتباع خطوات فعّالة تشمل تغييرات نمط الحياة والتدخلات الطبية المناسبة التي تضم الالتزام بالعلاج الدوائي الموصوف والمتابعة الدورية.
كما تلعب خسارة الوزن بشكل ملحوظ في حالات السمنة، وتحديداً فقدان 15-20٪ من وزن الجسم، دوراً هاماً في استعادة مستويات شبه طبيعية من السكر في الدم والحد من الحاجة للأدوية.
السكري النوع الثاني رحلة، لا وجهة. رحلة قد تبدو مليئة بالتحديات، لكنها مليئة بالإمكانيات أيضًا. رحلةٌ لا تتطلب فقط علاجًا طبيًا، بل تتطلب التزامًا ذاتيًا وتغييراتٍ إيجابيةٍ في نمط الحياة. تذكر، أنت لست وحدك في هذه الرحلة. فهناك ملايين الأشخاص حول العالم يسيرون على نفس الدرب، ونجحوا في التحكم بمرضهم وتحسين صحتهم بشكل كبير.
مع كل خطوةٍ إيجابيةٍ تتخذها، تقترب أكثر من تحقيق أهدافك.
أيضا