تُعدّ متلازمة القولون العصبي من أكثر أمراض الجهاز الهضمي شيوعًا في المملكة العربية السعودية، إذ تُصيب ما يقارب ربع السكان، ممّا يُشكّل عبء ثقيلًا على المرضى وعلى المنظومة الصحية ككل. وتُشير الدراسات إلى أنّ معدلات انتشار هذه المتلازمة تختلف باختلاف المناطق والفئات العمرية والجنس، مما يُضفي على هذه المشكلة الصحية أبعادًا معقدةً تتطلب المزيد من التفهم والبحث. تُقدم هذه المقالة نظرة شاملة على أسباب هذه المتلازمة وأعراضها وسُبل العلاج المتاحة.
ما هي متلازمة القولون العصبي؟
متلازمة القولون العصبي (IBS) هي حالة مزمنة تتميز بألم متكرر في البطن وتغيرات في حركة الأمعاء، مثل الإسهال والإمساك أو كليهما. يُعد اضطرابًا وظيفيًا، مما يعني أنه لا يوجد ضرر أو تلف واضح في الجهاز الهضمي، وإنما مشكلة في كيفية تفاعل الدماغ والأمعاء.
تُشير الدراسات إلى أن معدلات انتشار متلازمة القولون العصبي في المملكة العربية السعودية وصلت إلى 24% من السكان، وتؤكد بأنها حالة شائعة تصيب النساء أكثر من الرجال، وتزداد احتمالية الإصابة مع تقدم العمر.
يعتمد تشخيص القولون العصبي على وجود أعراض محددة بمعايير تشخيصية يدرسها الطبيب، بالإضافة إلى السؤال حول والتاريخ الطبي والعائلي للمريض.
لا توجد تحاليل مخبرية أو تصويرية لتشخيص القولون العصبي، ولكن يمكن للفحص البدني الشامل والتاريخ التفصيلي للمريض المساعدة في التمييز بين القولون العصبي من الأمراض الهضمية الأخرى.
اقرأ ايضأ : ما هي أعراض القولون العصبي عند النساء؟
أعراض متلازمة القولون العصبي
تتنوع أعراض القولون العصبي ويمكن أن تختلف من شخص لآخر، وهي تشمل الآتي:
- آلام أو عدم ارتياح في البطن، وغالبًا ما تكون أسوأ بعد تناول الطعام.
- تغيرات في حركة الأمعاء، مثل الإسهال والإمساك أو التناوب بين الاثنين.
- ظهور مخاط في البراز، وهو ما لا يرتبط عادة بأسباب أخرى للإمساك.
- الشعور بالحاجة الملحة لحركة الأمعاء، والإحساس بعدم القدرة على تفريغ الأمعاء بشكل كامل.
- انتفاخ البطن وغازات والشعور بالامتلاء.
- تقلصات متفاوتة الشدة.
- تغيرات في شكل البراز، أي تارة براز مائي متكرر ورخو (إسهال) وتارة براز صلب وغير متكرر (إمساك).
- التعب واضطرابات النوم.
يمكن أن تختلف هذه الأعراض في شدتها وقد تكون ناجمة عن عوامل، مثل النظام الغذائي والتوتر والتغيرات الهرمونية.
كيف أفرق بين أنواع القولون العصبي؟
تصنف أنواع متلازمة القولون العصبي (IBS) بناءً على الأعراض الأساسية التي يعاني منها الشخص، وهي منقسمة إلى:
- القولون العصبي المصاحب للإمساك (IBS-C): يميزه الإمساك المزمن، وتشمل أعراضه الرئيسية:
- آلام البطن وعدم الراحة.
- قلة حركة الأمعاء.
- البراز الصلب والجاف وصعوبة التبرز.
- الانتفاخ.
- القولون العصبي المصاحب للإسهال (IBS-D): يتميز بالإسهال المزمن وآلام البطن وعدم الراحة، وتشمل الأعراض:
- برازًا رخوًا أو مائيًا بشكل متكرر.
- آلام وتشنجات في البطن.
- الانتفاخ.
- الحاجة المفاجئة الملحة للتبرز.
- القولون العصبي المختلط أو المتناوب (IBS-M): يميزه نوبات متناوبة من الإمساك والإسهال.
- القولون العصبي غير المصنف (IBS-U): يُشخّص عندما لا تتطابق الأعراض مع معايير الأنواع الأخرى من القولون العصبي.
- القولون العصبي بعد العدوى (PI-IBS): يحدث بعد الإصابة بعدوى الجهاز الهضمي، وغالبًا ما يصاحب التهابًا مزمنًا وتغيرًا في بكتيريا الأمعاء وتغيرات في نفاذية الأمعاء، تشمل الأعراض الرئيسية الإسهال والتقيؤ غير المبررين.
- القولون العصبي بعد الاصابة بالتهاب الرتج (Post-Diverticulitis IBS): على الرغم من عدم فهم الآلية الدقيقة تمامًا إلا أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن المصابين بالتهاب الرتج -التهاب الجيوب الصغيرة الموجودة في القناة الهضمية- قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالقولون العصبي واضطرابات الأمعاء الأخرى.
من المهم تحديد هذه الأنواع المختلفة من القولون العصبي لأنها تتطلب اتباع نهج علاجية مصممة خصيصًا للسيطرة على الأعراض بشكل فعال.
يمكنك قراءة مقال: أعراض القولون العصبى والهضمى
أسباب متلازمة القولون العصبي
بينما السبب الدقيق للقولون العصبي غير معروف، يمكن أن تنتج الأعراض عن عوامل مختلفة، بما في ذلك:
- سوء النظام الغذائي.
- التوتر، والعوامل النفسية.
- التغيرات الهرمونية.
- فرط حساسية الأعصاب في جدار الأمعاء.
- اضطرابات في حركة الأمعاء المتكررة.
- تغيرات في ميكروبيوم الأمعاء.
- العدوى والالتهاب.
- خلل في وظائف الجهاز العصبي.
كما أن الدراسات تُشير إلى أن للقولون العصبي سبب وراثي كامن، إذ أنه يميل إلى أن يكون موروثًا في العائلات، وتزيد العوامل البيئية ونمط الحياة مثل التغييرات في الروتين وطرق تناول الطعام إلى تحفيز الأعراض بشدة.
علاج متلازمة القولون العصبي
يُعدّ علاج متلازمة القولون العصبي رحلة شخصية تتطلب نهجًا متكاملًا يجمع بين مختلف العوامل المؤثرة في هذه الحالة المعقدة. يهدف العلاج إلى تخفيف الأعراض وتحسين نوعية حياة المرضى، من خلال معالجة الأسباب الكامنة وراء التغيرات الهضمية.
يُعدّ النظام الغذائي أحد أهم أدوات التحكم في أعراض القولون العصبي. يلعب اختيار الأطعمة المناسبة دورًا حيويًا في تقليل الانتفاخ وآلام البطن والإسهال، وتنظيم حركة الأمعاء. نشير لكم إلى أبرز التعديلات الغذائية الواجب إجرائها:
- اتباع حمية فودماب: يعتمد هذا النظام على تقليل استهلاك مجموعة من الكربوهيدرات قصيرة السلسلة والتي يصعب على الأمعاء الدقيقة هضمها، ممّا قد يُسبب أعراضًا، مثل الانتفاخ وآلام البطن والإسهال.
- زيادة تناول الألياف القابلة للذوبان: إذ أنها تُساعد على تعزيز حركة الأمعاء بانتظام وتخفيف الإمساك.
- تجنب الأطعمة المحفزة: من المهم مراقبة تأثير الأطعمة في الأعراض وتجنب تلك التي تزيد من حدة الاضطرابات الهضمية، مثل الشوكولاتة، والمقليات والبقوليات، والكحول، والكافيين، والمشروبات الغازية، وبعض المحليات الصناعية.
أدوية القولون العصبي
تُستخدم الأدوية في علاج القولون العصبي؛ لتخفيف الأعراض المزعجة وتحسين نوعية الحياة، وهي تضم الآتي:
- مضادات التشنج: تُساعد على ارتخاء تشنجات العضلات وتسكين آلام البطن، مثل: هيوسيامين (Hyoscyamine).
- أدوية مضادة للإسهال: تبطئ حركة الأمعاء وتحسن قوام البراز، مثل: لوبراميد (Loperamide).
- أدوية علاج الإمساك، مثل لوبيروستون (Lubiprostone) وليناكلوتيد (Linaclotide).
- المضادات الحيوية: تُستخدم في بعض الحالات لتغيير البكتيريا المعوية وتقليل الأعراض في حال فشل كل العلاجات الأخرى، مثل ريفاكسيمين (Rifaximin).
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: تُساعد على تخفيف الألم والإسهال عن طريق التأثير في الجهاز العصبي المعوي، مثل أميتريبتيلين، لكن استخدامها غير مصرح به رسميًا لعلاج القولون العصبي.
- البروبيوتيك: تساعد على تحسين معدل البكتيريا المعوية النافعة، وتخفيف الأعراض، خاصة الانتفاخ والامتلاء، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث للتأكد من تأثيرها الإيجابي وتحديد الجرعات اللازمة.
يُساعد الطبيب في تشخيص نوع القولون العصبي وتحديد الأعراض الأساسية من خلال تقييم شامل للتاريخ الطبي للمريض، والنظام الغذائي، وأسلوب الحياة، والعوامل النفسية، لتحديد أفضل مسار علاجي.
وتُساعد المتابعة الدورية مع الطبيب على تقييم فعالية العلاج، وإجراء التعديلات اللازمة على الخطة العلاجية حسب الحاجة.
تُمثل متلازمة القولون العصبي تحديًا يواجهه العديد من الأشخاص، لكنّه لا يُعدّ قدرًا محتومًا. من خلال فهم مسارات هذا الاضطراب المعقد، واتباع نهج علاجي شامل يجمع بين التغييرات الغذائية، والأدوية، والعلاج النفسي، وتقنيات إدارة التوتر، يُمكن للمرضى استعادة السيطرة على صحتهم وتحسين نوعية حياتهم بشكل كبير.
الخطوة الأولى نحو العلاج هي استشارة الطبيب المختص؛ لتشخيص الحالة بشكل دقيق وتحديد مسار العلاج المناسب.
أيضا