في لحظةٍ مفاجئة، قد يضربُ الخطرُ من دون سابق إنذار. تُصبحُ خلايا الدماغ محرومةً من الغذاء والهواء، وتبدأ رحلةٌ نحو تلفٍ قد يكونُ دائمًا. إنها السكتة الدماغية، قاتلةٌ صامتةٌ تتربصُ بنا جميعًا. ولكن، لا داعي للاستسلام، فمعرفةُ علامات الخطر وطلبُ المساعدة الطبية الفورية، قد يُنقذُنا من عواقب وخيمة. تعرّف إلى أعراض السكتة الدماغية، واحمِ نفسك ومن حولك من هذا الخطر المحدق.
ما هي السكتة الدماغية؟
السكتة الدماغية هي حالة طبية خطيرة تهدد الحياة تحدث عندما ينقطع تدفق الدم إلى جزء من الدماغ أو تتمزق الأوعية الدموية في الدماغ، وهذا يمنع أنسجة المخ من الحصول على الأكسجين والمواد المغذية، مما يتسبب في موت خلايا المخ في غضون دقائق معدودة.
يمكن أن يؤدي هذا الانقطاع المفاجئ إلى تلف دائم في الدماغ، أو إعاقة، أو حتى الموت إذا لم يتعامل معها الكادر الطبي بشكل فوري وعاجل.
لا يمكن التنبؤ بشكل قاطع متى تكون السكتة الدماغية مميتة؟ ولكنها حالة طبية طارئة خطيرة تتطلب علاجًا فوريًا لتقليل تلف الدماغ وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة.
ما هو الفرق بين الجلطة والسكتة الدماغية؟
السكتة الدماغية هي مصطلح عام يشير إلى اضطراب في تدفق الدم إلى الدماغ، في حين تشير جلطة الدماغ على وجه التحديد إلى جلطة دموية تسد شريانًا في الدماغ، مما يسبب السكتة الدماغية.
أنواع السكتة الدماغية
يمكن تصنيف السكتات الدماغية بشكل عام إلى نوعين رئيسيين: إقفارية ونزفية. الفهم والتمييز بين هذين النوعين أمر ضروري؛ لتحديد النهج العلاجي المناسب.
السكتة الدماغية الإقفارية
تشكل السكتات الدماغية الإقفارية أغلب حالات السكتة الدماغية، حوالي 80%، وتحدث عندما تسد جلطة دموية وعاء دموي يغذي الدماغ. هذا الانسداد يقطع إمداد الأكسجين والمغذيات الحيوية، مما يؤدي إلى موت خلايا الدماغ في المنطقة المصابة. يمكن أن تحدث السكتات الدماغية الإقفارية نتيجة تكوين جلطة داخل الأوعية الدموية في الدماغ أو حدوث الصمة وهي تكوين للجلطة في مكان آخر من الجسم، غالباً الساق، وانتقالها إلى الدماغ.
السكتة الدماغية النزفية
السكتات الدماغية النزفية، من ناحية أخرى، تحدث نتيجة تمزق وعاء دموي داخل الدماغ، مما يؤدي إلى نزيف في النسيج الدماغي المحيط. هذا النوع من السكتة أقل شيوعًا، إذ يشكل حوالي 20% من جميع حالات السكتة الدماغية، ولكنه يميل إلى أن يكون أكثر خطورة ويهدد الحياة.
يمكن تقسيم السكتات الدماغية النزفية إلى نوعين رئيسيين: النزف داخل الدماغ والنزف تحت العنكبوتية أي النزيف في المسافة بين الدماغ والجمجمة.
ما أعراض السكتة الدماغية؟
من المهم للغاية الانتباه إلى العلامات التالية التي قد تشير إلى حدوث سكتة دماغية:
- خَدَر أو ضَعف مُفاجئ في عضلات الوجه أو الذراع أو الساق، خاصةً في جانب واحد من الجسم. قد يشمل ذلك تنميلًا أو ضعفًا أو شللًا في الوجه أو الفم أو الذراع أو الساق.
- ارتباك مفاجئ أو صعوبة في التحدث أو فهم الكلام: قد يبدو الشخص المصاب بالسكتة الدماغية مُتلعثمًا أو غير قادر على تكوين جمل منطقية أو فهم ما يقال له.
- مشكلات في الرؤية في إحدى العينين أو كلتيهما: قد يرى الشخص المصاب بالسكتة الدماغية ضبابية أو ازدواجية في الرؤية أو فقدان الرؤية في عين واحدة أو كلتا العينين.
- صداع مفاجئ وشديد: يكون هذا الصداع مختلفًا عن أي صداع آخر واجهه الشخص من قبل، وقد يكون مصحوبًا بأعراض أخرى، مثل الدوخة أو الغثيان أو القيء.
- صعوبة في المشي أو الحفاظ على التوازن: قد يشعر الشخص المصاب بالسكتة الدماغية بالدوار أو عدم الثبات أو صعوبة في التنسيق بين حركاته.
بالإضافة إلى هذه الأعراض الرئيسية، قد تشمل علامات السكتة الدماغية الأخرى:
- فقدان السيطرة على المثانة أو الأمعاء.
- دوخة مفاجئة أو فقدان الوعي.
- ألم حاد في الرقبة أو الكتف.
إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه يعاني من أي من هذه الأعراض، فمن المهم طلب العناية الطبية الفورية. كلما زادت سرعة تلقي العلاج، زادت فرص النجاة والتعافي من السكتة الدماغية دون مضاعفات طويلة الأمد.
من المهم أيضًا تذكر أن بعض الأشخاص قد يعانون من “سكتة دماغية عابرة” أو “نوبة إقفارية عابرة” (TIA). هذه نوبة قصيرة من أعراض السكتة الدماغية تختفي عادةً في غضون 24 ساعة، ومع ذلك، تُعد النوبة الإقفارية العابرة علامة تحذيرية مهمة على خطر الإصابة بسكتة دماغية كاملة في المستقبل. لذلك، من المهم أيضًا طلب العناية الطبية الفورية حتى وإن تحسنت الأعراض.
كيف تتعرف على أعراض السكتة الدماغية؟
تُعدّ السكتة الدماغية حالة طبية طارئة تتطلب عناية فورية، فكل ثانية تُنقذ حياة. يُعتبر الاختصار “FAST” أداة تذكر شائعة تساعد الأشخاص على تحديد علامات السكتة الدماغية:
- الوجه (Face): اطلب من الشخص أن يبتسم. هل يرتخي جانب واحد من الوجه؟
- الذراعان (Arms): اطلب من الشخص أن يرفع ذراعيه. هل تنجرف إحدى الذراعين للأسفل؟
- النطق (Speech): اطلب من الشخص تكرار جملة بسيطة. هل يتكلم بوضوح؟
- الوقت (Time): إذا لاحظت أي من هذه العلامات، فاتصل بالطوارئ على الفور. كل ثانية مهمة.
يعد التعرف الفوري إلى أعراض السكتة الدماغية والرعاية الطبية الطارئة الفورية أمرًا بالغ الأهمية، حيث أن أفضل علاج للحالة يمكن أن يُقدم خلال 3 ساعات من ظهور الأعراض لتقليل تلف الدماغ وتحسين فرص الشفاء.
أسباب السكتة الدماغية وعوامل الخطورة
تحدث السكتة الدماغية عندما ينقطع تدفق الدم إلى جزء من الدماغ، وتُعدّ معرفة أسباب السكتة الدماغية ضرورية؛ للوقاية منها، التي تشمل:
- جلطات دموية تتشكل في مكان آخر من الجسم وتنتقل إلى الدماغ (الانصمام الدماغي).
- جلطات الدم التي تتطور في الأوعية الدموية في الدماغ (التخثر الدماغي).
- حالات قلبية، مثل الرجفان الأذيني الذي يمكن أن يسبب جلطات الدم.
- تصلب الشرايين، أي تراكم الرواسب الدهنية التي تضيق الشرايين.
أما في حالات السكتة الدماغية النزفية، فتشمل الأسباب الرئيسية:
- ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط، الذي قد يُضعِف ويمزق الأوعية الدموية في الدماغ.
- تمدد الأوعية الدموية في الدماغ.
كما تشمل عوامل الخطر الرئيسية الأخرى ما يلي:
- العمر: يتضاعف خطر الإصابة بالسكتة الدماغية كل عقد بعد سن 55 عامًا.
- تاريخ العائلة والعوامل الوراثية.
- عوامل نمط الحياة، مثل التدخين والسمنة وقلة ممارسة الرياضة والإفراط في تناول الكحول.
- الحالات الطبية، مثل مرض السكري وارتفاع الكوليسترول وأمراض القلب.
علاج السكتة الدماغية
الهدف الرئيسي في علاج السكتات الدماغية هو استعادة تدفق الدم إلى المنطقة المتضررة من الدماغ بأسرع وقت ممكن، مما يقلل من مدى الضرر الدماغي. تشمل خيارات العلاج الشائعة:
- أدوية إذابة الجلطات، مثل منشط البلازمينوجين النسيجي (tPA). تكون هذه الأدوية أكثر فعالية عند استخدامها خلال ثلاث إلى أربع ساعات ونصف الأولى بعد ظهور أعراض السكتة الدماغية، إذ تقل فعاليتها بمرور الوقت.
- استئصال التخثر الميكانيكي: في بعض الحالات، يمكن إجراء عملية جراحية طفيفة التدخل تتضمن إدخال قسطرة في وعاء دموي كبير، عادة في الفخذ، واستخدام جهاز لإزالة الجلطة من شرايين الدماغ.
- الأدوية المضادة للتخثر والصفائح: قد يصف مقدمو الرعاية الصحية الأدوية المضادة للتخثر أو المضادة للصفائح لمنع تكوين جلطات دموية جديدة وتقليل خطر حدوث سكتات دماغية متكررة.
وفي حالات السكتة الدماغية النزفية، يكون الهدف العلاجي الأول هو السيطرة على النزيف وتقليل الضغط داخل الجمجمة؛ لمنع المزيد من المضاعفات، وإدارة الضغط داخل الجمجمة المتزايد الناجم عن تراكم الدم، وذلك من خلال:
- السيطرة على ضغط الدم واستقراره.
- تعويض عوامل التخثر، من خلال أدوية أو محاليل لعوامل التخثر؛ لمساعدة الجسم في العمليات الطبيعية لوقف النزيف.
- التدخلات الجراحية، مثل إزالة الدم المتراكم لتخفيف الضغط على الدماغ أو إيقاف النزيف جراحياً.
بالإضافة إلى العلاجات المحددة للسكتات الدماغية الإقفارية والنزفية، يركز مقدمو الرعاية الصحية أيضًا على الرعاية الداعمة وإعادة التأهيل؛ لمعالجة المضاعفات المختلفة والعيوب الوظيفية التي قد تنشأ.
كما قد يحتاج مرضى السكتة الدماغية إلى مساعدة في التنفس، مثل التهوية الميكانيكية، أو الأدوية لإدارة ضغط الدم ووظيفة القلب.
وقد تكون أنابيب التغذية أو السوائل الوريدية ضرورية لضمان التغذية والترطيب المناسبين، خاصة إذا كان المريض يُعاني من صعوبة في البلع.
رحلة كل ناجٍ من السكتة الدماغية فريدة من نوعها، ويمكن أن تتراوح مدة الشفاء والعودة الكاملة إلى الوظائف الطبيعية السابقة للسكتة إلى مساعدة ودعم مستمر. الحفاظ على نظرة إيجابية، والمشاركة في التأهيل، والالتزام بتوصيات نمط الحياة والتدخلات الطبية يمكن أن يساهم في تحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
تذكر أن كل ثانية مهمة عندما يتعلق الأمر بالسكتة الدماغية، لذا كن مستعدًا، وابقَ يقظًا، ولا تتردد في التصرف بسرعة إذا اشتبهت في حدوثها.
أيضا